في وقتٍ يتسابق فيه العالم لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، قررت الدنمارك الدخول بقوة عبر مشروع هو الأضخم في تاريخها التكنولوجي: الحاسوب الخارق Gefion. خطوة تمثل نقطة تحول استراتيجية في أوروبا، وتؤكد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد ترفًا بل ضرورة وطنية.
ما هو الحاسوب الخارق Gefion؟
تمثل Gefion أول بنية حوسبة عملاقة مخصصة بالكامل للذكاء الاصطناعي في الدنمارك. إنه مشروع طموح يمزج بين القوة الحسابية غير المسبوقة، والاستدامة البيئية، والسيادة الرقمية.
يتكون الحاسوب الخارق Gefion من 191 نظامًا من نوع NVIDIA DGX H100، وتعمل جميعها بتناغم عبر أكثر من 1500 وحدة معالجة رسومية من نوع H100 Tensor Core من إنفيديا، مدعومة بـ 382 معالجًا مركزيًا من نوع Intel Xeon Platinum.
من يقف وراء Gefion؟
يعود الفضل في إنشاء الحاسوب الخارق Gefion إلى تعاون بين مؤسسة نوفو نورديسك بنسبة 85% وصندوق التصدير والاستثمار الدنماركي بنسبة 15%.
أما الإدارة والتشغيل، فتتولاها مؤسسة DCAI (المركز الدنماركي للابتكار في الذكاء الاصطناعي)، التي أنشأت لتكون حجر الأساس للابتكار الرقمي في البلاد. وتم بناء المركز بالكامل على الطاقة المتجددة بنسبة 100% ضمن منشأة Digital Realty في كوبنهاغن، مما يجعله صديقًا للبيئة في كل مراحل تشغيله.
ما الذي يجعل Gefion مختلفًا؟
ليست مجرد أرقام، بل الحاسوب الخارق Gefion مصمم لأهداف نوعية:
تسريع اكتشاف الأدوية من خلال محاكاة كيميائية دقيقة
دعم أبحاث المناخ على مستوى النمذجة والتوقعات المستقبلية
إجراء تجارب متقدمة في الحوسبة الكمية والتكنولوجيا الحيوية
تمكين المؤسسات الدنماركية من استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن نطاق بياناتها السيادية
ويُعد هذا المشروع أحد أكثر مشاريع إنفيديا طموحًا في أوروبا، ما دفع الرئيس التنفيذي للشركة، جينسن هوانغ، لحضور حفل الإطلاق رسميًا إلى جانب ملك الدنمارك في 23/10/2024.
مستقبل الذكاء الاصطناعي يبدأ من شمال أوروبا
مع إطلاق الحاسوب الخارق Gefion، تدخل الدنمارك عصرًا جديدًا من القيادة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، ليس فقط على المستوى الأوروبي، بل العالمي. فبفضل قدراته الهائلة، أصبح بإمكان الباحثين والمطورين العمل على مشاريع لم تكن ممكنة سابقًا بسبب تعقيدها الحسابي أو متطلباتها البيئية والبنيوية.
تطبيقات عملية غير مسبوقة
من أبرز المجالات التي سيحدث فيها الحاسوب الخارق Gefion ثورة تقنية:
الذكاء الاصطناعي الدوائي: سيتيح Gefion قدرات معالجة ضخمة لمحاكاة تفاعلات العقاقير، ما يقلل من الوقت والموارد اللازمة لتطوير أدوية جديدة.
التغير المناخي: يُستخدم في تحليل نماذج المناخ العالمية بدقة بالغة، لدعم السياسات البيئية.
الحوسبة الكمية: من خلال منصة CUDA Quantum من NVIDIA، سيتمكن الباحثون من محاكاة سلوك الأنظمة الكمومية في بيئة افتراضية آمنة وفعالة.
البيانات السيادية: المؤسسات الحكومية والشركات الوطنية ستتمكن من تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي دون إرسال بياناتها خارج البلاد، ما يحمي الخصوصية والسيادة الرقمية.
بيئة عمل مستدامة وآمنة
اعتماد الحاسوب الخارق Gefion على الطاقة المتجددة بنسبة 100%، وشبكة NVIDIA Quantum-2 InfiniBand بسرعات تصل إلى 400 جيجابت/ثانية، يجعله من أكثر مراكز البيانات كفاءة وأمانًا في العالم.
كما تم تصميم بيئة العمل بالتعاون مع شركة Eviden الفرنسية، المعروفة بخبرتها في الأنظمة عالية الأداء، مما أتاح تنفيذ المشروع خلال فترة قصيرة مع ضمان أعلى معايير الجودة.
أهمية استراتيجية لأوروبا
وجود الحاسوب الخارق Gefion في الدنمارك يُشكل رسالة واضحة بأن أوروبا قادرة على بناء بنى تحتية تنافس الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي. كما يفتح الباب أمام تعاونات علمية واسعة النطاق على مستوى الجامعات والشركات الأوروبية الناشئة.
كيف سيغيّر Gefion المشهد الأكاديمي في أوروبا؟
من أكثر الفئات التي ستستفيد من الحاسوب الخارق Gefion هم الباحثون والأكاديميون في الجامعات الأوروبية، وخصوصًا أولئك العاملين في مجالات البيولوجيا الجزيئية، الرياضيات التطبيقية، والنمذجة الفيزيائية.
لأول مرة، ستتمكن هذه الفئات من الوصول إلى قدرات معالجة خارقة كانت حكرًا على كبرى الشركات التقنية في أمريكا والصين. ومن أبرز الشراكات التي تم الإعلان عنها رسميًا هي تلك بين المركز الدنماركي للابتكار في الذكاء الاصطناعي DCAI وجامعة كوبنهاغن، حيث سيتم تمويل مشاريع بحثية مفتوحة المصدر للاستفادة من قدرات الحاسوب الخارق Gefion.
الذكاء الاصطناعي السيادي – نقطة تحول رقمية
أحد المفاهيم المحورية التي يتمحور حولها المشروع هو ما يُعرف بـ”الذكاء الاصطناعي السيادي”، أي تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي ضمن حدود الدولة دون مشاركة البيانات مع خوادم خارجية.
وهنا يبرز دور الحاسوب الخارق Gefion، إذ أنه يوفّر هذه البيئة السيادية بشكل كامل، مما يمكّن الشركات الصحية، المصارف، وحتى المؤسسات الأمنية من استخدام الذكاء الاصطناعي دون تعريض بياناتها لمخاطر الخصوصية.
دعم الاقتصاد الوطني وبناء قدرات محلية
إلى جانب الأبحاث، يسعى المشروع إلى إنشاء منظومة محلية من الشركات الناشئة والخبراء حول تقنيات الحاسوب الخارق Gefion، من خلال برامج تدريب وشهادات أكاديمية وتحديات تقنية مفتوحة. الهدف هو خلق جيل جديد من المطورين والباحثين القادرين على توظيف هذه القوة الحسابية في بناء حلول تخدم المجتمع الأوروبي والدولي.
ولأول مرة، سيتم دمج تقنيات مثل CUDA Quantum وBioNeMo ضمن مناهج تعليمية للماجستير والدكتوراه في عدة جامعات دنماركية، مما يفتح أفقًا جديدًا لتقاطع الذكاء الاصطناعي مع التعليم العالي والبحث العلمي.
خلاصة تحليلية
إن الحاسوب الخارق Gefion ليس مجرد آلة متطورة، بل هو بنية تحتية استراتيجية ستُعيد رسم حدود الابتكار في مجالات متعددة، من الدواء إلى المناخ، ومن الأمن السيبراني إلى الحوسبة الكمية.
ومع الدعم الحكومي والشراكات الأكاديمية، من المتوقع أن تتحول الدنمارك إلى واحدة من أبرز مراكز تطوير الذكاء الاصطناعي في العالم خلال السنوات الخمس القادمة.
Views: 0