منذ سنوات، وجوجل تحاول دخول عالم النظارات الذكية، لكن كل محاولة كانت تُواجه بأسئلة أكثر من الإجابات. أما الآن، مع الإعلان عن نظارات Google XR الجديدة خلال مؤتمر Google I/O 2025، يبدو أن الشركة لا تكتفي بالتجربة، بل تُخطط لتغيير قواعد اللعبة. فهل ما رأيناه هو ثورة حقيقية في تكنولوجيا الواقع الممتد، أم مجرد استعراض تكنولوجي آخر بلا مستقبل فعلي؟
Android XR – نظرة أولى على مستقبل النظارات الذكية
ما يميز Google هذا العام ليس فقط أنها طرحت نظارات ذكية جديدة، بل أنها قدمت نظام تشغيل Android XR كمنصة مستقلة للواقع الممتد، أشبه بما فعله أندرويد للهواتف الذكية قبل عقدين.
هذه ليست مجرد نسخة معدّلة من أندرويد، بل نظام مبني من الأساس لدعم التفاعل متعدد الوسائط – نص، صوت، صورة، وإيماءات – وهو ما يشكّل العمود الفقري لتجربة نظارات Google XR الجديدة.
ما قدمته جوجل ليس فقط إطارًا برمجيًا، بل بيئة متكاملة تعيد تعريف كيف نتفاعل مع التكنولوجيا من خلال نظاراتنا. ولعلها المرة الأولى التي نرى فيها توازنًا حقيقيًا بين الشكل والمضمون في هذا النوع من الأجهزة القابلة للارتداء.
Project Astra وGemini – العقل داخل العدسة
النقطة الجوهرية في نظارات Google XR ليست فقط الشاشة الصغيرة داخل العدسة، بل العقل الذي يقف خلفها. فتكامل النظارات مع مساعد جوجل الجديد Gemini، وبالأخص مشروع Astra، يفتح الباب أمام تجارب لم نعتدها في عالم الأجهزة القابلة للارتداء.
تخيل أن تسير في شارع أجنبي وتقوم النظارة بترجمة المحادثة أمامك مباشرة على العدسة، أو أن تسألها عن موعد اجتماعك التالي فتحصل على إجابة صوتية ورؤية مرئية في نفس اللحظة – هذا ما تعد به Google ضمن هذه النظارات الجديدة.
شاشة داخل العدسة – تصميم ثوري أم مخاطرة بصرية؟
من أبرز ما شدّ الانتباه في نظارات Google XR هو وجود شاشة عرض صغيرة مدمجة داخل العدسة، تُظهر المعلومات مباشرة في مجال الرؤية. جوجل لم تعتمد على عدسات شفافة فقط، بل استخدمت تقنيات عرض دقيقة تجعل النصوص والإشعارات تبدو وكأنها تطفو أمامك دون أن تعيق النظر.
لكن هنا يبرز السؤال:
هل المستخدم مستعد فعلاً لهذا المستوى من التفاعل البصري؟
حتى الآن، معظم الأجهزة التي اعتمدت هذا النوع من الشاشات فشلت في تحقيق توازن بين الراحة والوضوح، فكيف ستتفادى جوجل الإرهاق البصري أو تشويش الانتباه أثناء التنقل أو القيادة؟
برغم المخاوف، يبقى الطرح مثيرًا. لأن نظارات Google XR لا تهدف لتكون بديلاً للهاتف فقط، بل شاشة مرافقة، دائمة، ومتصلة بالذكاء الاصطناعي طوال الوقت.
التفاعل الصوتي مع Gemini – مستقبل بدون لمس
إذا كانت الشاشة داخل العدسة هي العين، فإن مساعد Gemini هو “العقل” الذي يُحرك كل شيء. النظارات تعتمد بشكل كامل على التفاعل الصوتي، دون الحاجة للمس أو حتى النظر للأسفل. تقول “ذكّرني باجتماع الغد”، فيقوم Gemini بإعداد التذكير، وربما يُظهر لك حتى خريطة الطريق على العدسة.
جوجل طورت Gemini ليكون أكثر من مجرد مساعد. بفضل مشروع Astra، يستطيع المساعد فهم البيئة من حولك باستخدام الكاميرا والمايكروفون، ما يتيح للنظارة فهم السياق – من تتحدث إليه، ماذا ترى، وحتى ما تفكر فيه بصوت عالٍ.
بالمقارنة مع مساعدات سابقة مثل Siri أو Alexa، فإن Gemini ضمن نظارات Google XR يبدو أقرب لما نراه في أفلام الخيال العلمي.
واجهة المستخدم – حين يصبح التفاعل طبيعيًا
أحد أصعب التحديات في الأجهزة القابلة للارتداء هو تصميم واجهة مستخدم غير مرئية لكنها فعالة.
وهنا يأتي دور ما تسميه جوجل بـ”التفاعل السياقي” – أي أن النظارة لا تظهر معلومات إلا عندما تحتاجها فعلًا.
إذا دخلت مطارًا، تُظهر لك بوابتك. إذا تلقيت رسالة، تظهر فقط عند رفع رأسك. هذا التفاعل الديناميكي هو ما يجعل تجربة نظارات Google XR مختلفة كليًا عن أي محاولة سابقة.
بين Apple وMeta – إلى أين تتجه المنافسة؟
جوجل ليست الوحيدة في هذا السباق. فشركة Apple قدمت رؤيتها عبر Apple Vision Pro، بينما تتحالف Meta مع Ray-Ban لتقديم نظاراتها الذكية.
لكن ما يميز نظارات Google XR هو اعتمادها على بنية Android XR المفتوحة، ما يعني أنها قد تكون أول نظارة ذكية قابلة للاستخدام اليومي من قبل عموم المستخدمين، وليس فقط المطورين أو محترفي التقنية.
في المقابل، تبقى Apple متفوقة من حيث تكامل العتاد والبرمجيات، في حين تُراهن Meta على الشبكات الاجتماعية والتجربة البصرية المدمجة مع الواقع الافتراضي.
السؤال هنا: هل تستطيع Google تقديم تجربة أكثر “خفّة” وعملية، دون الحاجة إلى جهاز تحكم أو بطارية ضخمة خلف الرأس؟ وإن فعلت، فهل يمكنها إقناع السوق بذلك؟
التحدي الأكبر: الخصوصية
لنكن صريحين، نظارات Google XR تعني كاميرات مستمرة، ميكروفونات مفتوحة، وتسجيل بيانات صوت وصورة طوال الوقت.
وهنا يبدأ الصدام بين الراحة والخصوصية.
هل سيكون من المقبول اجتماعيًا أن تتجول بنظارات تسجل ما يقال حولك؟
كيف ستُطمئن Google المستخدمين أن Gemini لا “يتجسس” بل “يساعد”؟
وهل ستكون هناك مؤشرات واضحة عند بدء التسجيل مثل ضوء LED خارجي؟
جوجل بحاجة إلى بناء ثقة حقيقية هنا، خصوصًا أنها فشلت سابقًا في هذا المجال مع Google Glass بسبب هذه المخاوف تحديدًا.
ماذا عن البطارية والأداء؟
واحدة من أكثر النقاط حساسية في الأجهزة القابلة للارتداء هي عمر البطارية. المعلومات الحالية لا توضح بعد بشكل دقيق مدى قدرة نظارات Google XR على العمل ليوم كامل.
الاعتماد على معالج Qualcomm XR2 Gen 2 قد يمنحها أداءً جيدًا، لكن تشغيل Gemini، الشاشة داخل العدسة، والكاميرا في وقت واحد يعني استهلاكًا عاليًا.
وهنا يبرز التحدي الهندسي الأكبر: كيف تحافظ جوجل على نظارة خفيفة وقوية بنفس الوقت دون التضحية بالتجربة أو الشكل؟
هل ما تقدمه نظارات Google XR ثورة حقيقية أم استعراض تكنولوجي؟
من خلال ما شاهدناه في Google I/O 2025، يبدو أن نظارات Google XR تمثل قفزة تقنية لا يمكن تجاهلها. وجود شاشة مدمجة داخل العدسة، مساعد Gemini المتكامل، ودعم نظام Android XR يشكلون ثلاثية غير مسبوقة في عالم النظارات الذكية.
لكنّ السؤال الحقيقي ليس “هل يمكن أن تنجح؟”، بل “هل يحتاج المستخدم العادي فعلًا إلى هذه التجربة؟”
في الواقع، التجربة التي تقدمها Google اليوم قد تبدو مذهلة للمتابعين التقنيين، لكنها ما زالت في طور التكوين للمستهلكين العاديين.
لا يمكن اعتبار هذه النظارات بديلًا عن الهاتف في الوقت الحالي، لكنها قد تكون الخطوة الأولى نحو حقبة جديدة يكون فيها الذكاء الاصطناعي دائمًا في مجال رؤيتك – لا في جيبك، ولا في يدك، بل أمام عينيك مباشرة.
توقعات مستقبلية – من اليوم وحتى 2026
مع استمرار التطوير، من المتوقع أن تبدأ Google بإطلاق إصدار للمطورين في أواخر 2025، ثم إصدار تجاري محدود في 2026. التعاون مع شركات مثل Warby Parker وGentle Monster يؤكد أن جوجل تفكر بشكل جاد في الشكل، وليس فقط في التقنية.
لكن لكي تنجح نظارات Google XR فعليًا، ستحتاج إلى أكثر من تقنيات مذهلة:
تطبيقات حقيقية مفيدة للمستخدم اليومي
بطارية تدوم ليوم كامل
سعر منافس
وضمانات واضحة للخصوصية
إذا نجحت Google في تحقيق هذه المعادلة، قد نشهد خلال عامين تحوّلًا جذريًا في طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا.
خاتمة تحليلية
ما رأيناه في نظارات Google XR ليس مجرد استعراض تقني. إنه عرض مبكر لمستقبل قد يصبح واقعًا قريبًا.
لكن نجاحه سيتوقف على عامل جوهري: هل سيشعر المستخدم أن هذه التكنولوجيا تخدمه فعلًا أم تراقبه؟
جوجل تمتلك الأدوات، النظام، والمساعد الذكي.
المطلوب الآن هو بناء الثقة، وتقديم تجربة تُشعر الناس أن الذكاء الاصطناعي القابل للارتداء لا يُراقبهم، بل يُساندهم.
وفي حال تحقق ذلك، لن تكون Google متأخرة عن Apple أو Meta، بل قد تكون هي من يحدد ملامح الجيل القادم من الأجهزة القابلة للارتداء.
Views: 1