back to top

هل أصبح العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي أداة مراقبة؟ تحذيرات خطيرة من خبراء الخصوصية

في السنوات الأخيرة، شهدنا صعودًا ملحوظًا في استخدام العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي كبديل سريع وسهل للوصول إلى الدعم النفسي، خاصة في الدول التي تعاني من نقص في الأطباء النفسيين أو التكلفة العالية للعلاج. تطبيقات مثل Replika وWoebot وWysa باتت شائعة بين المستخدمين الباحثين عن المساعدة، وتُسوّق على أنها آمنة، فورية، وفعالة.

لكن في ظل تنامي استخدام هذه الأدوات، بدأ خبراء الخصوصية يدقون ناقوس الخطر. فمعظم منصات العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي لا تخضع لنفس معايير الخصوصية الصارمة التي تُطبق على المعالجين البشر. والأسوأ من ذلك، أن بعض هذه المنصات لا توضح بوضوح كيفية التعامل مع البيانات التي يتم جمعها من المستخدمين، وهو ما يفتح الباب أمام استغلال هذه المعلومات بطرق قد لا تخطر على البال.

ما هو العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي؟

يعتمد هذا النوع من العلاج على برامج تعتمد الذكاء الاصطناعي للمحادثة مع المستخدم، بهدف تقديم دعم نفسي، توجيه، أو حتى تمارين علاجية سلوكية معرفية. المستخدم يكتب مشاعره أو مشكلته، والروبوت يرد باقتراحات، دعم، أو أسئلة تحليلية.

فكرة العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي هي سد الفجوة بين الحاجة للدعم الفوري وعدم توفر معالج بشري، خصوصًا خارج أوقات العمل أو في المجتمعات المحرومة من الخدمات الطبية.

خصوصيتك تحت المجهر

تكمن الخطورة في أن محادثات المستخدم مع هذه الأدوات قد تحتوي على معلومات شخصية شديدة الحساسية: حالات اكتئاب، أفكار انتحارية، اعترافات، تجارب مؤلمة. وبينما يعد المستخدم بأن تظل هذه المعلومات خاصة، فإن سياسات الخصوصية لبعض التطبيقات تُجيز مشاركة البيانات مع أطراف ثالثة لأغراض “تطوير المنتج” أو “البحث”.

وفي بعض الدول ذات الرقابة العالية، يمكن أن تصبح بيانات العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي كنزًا للسلطات، خاصة إذا كانت تلك الأدوات تخزن المعلومات في خوادم يمكن الوصول إليها قانونيًا من قبل الحكومات.

في الدول البوليسية: العلاج يتحوّل إلى أداة مراقبة

عندما ننتقل من السياق العادي إلى الدول ذات الأنظمة الرقابية المشددة، تزداد خطورة استخدام العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي. فغياب الشفافية حول مكان تخزين البيانات، ومن يمكنه الوصول إليها، يجعل من السهل على الحكومات أن تستخدم هذه الأدوات كوسيلة لجمع معلومات حساسة عن المواطنين. وفي حالات عديدة، يمكن استغلال هذه المعلومات لتحديد المعارضين أو استباق أي “سلوك غير مرغوب فيه”.

في تقرير حديث لموقع The Verge، حذّر باحثون في مجال الأمن السيبراني من أن العديد من تطبيقات العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي لا توفر تشفيرًا كافيًا، بل إن بعضها يستخدم واجهات مدمجة في أنظمة تابعة لشركات تسويق وتحليلات بيانات، مما يضاعف من احتمالية تسرب أو إساءة استخدام المعلومات.

الفرق بين الذكاء الاصطناعي والمعالج البشري

المعالج البشري ملتزم قانونيًا وأخلاقيًا بسرية الجلسات. أي خرق لهذه السرية يعرضه للمساءلة القانونية، ويخضع لرقابة هيئات مهنية صارمة. أما أدوات العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي فهي تعتمد على شركات خاصة، وقد لا تكون خاضعة لأي جهة رقابية صحية.

بمعنى آخر، يمكن أن تُباع بيانات المستخدم أو تُستخدم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي مستقبلاً، دون علمه أو موافقته الصريحة.

الحاجة لقوانين وتشريعات واضحة

أمام هذا الواقع، أصبح من الضروري تطوير أطر قانونية واضحة تنظم عمل أدوات العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي، بحيث تلتزم بنفس معايير الخصوصية والشفافية المعتمدة في العلاج البشري. يجب فرض قيود على جمع البيانات، منع تخزين المحتوى الحساس في خوادم غير مشفرة، وتوفير آليات محاسبة حقيقية في حال إساءة الاستخدام.

كيف تحمي نفسك كمستخدم؟

إذا كنت تستخدم أدوات العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي، فهناك بعض الخطوات الأساسية التي يمكنك اتخاذها لحماية خصوصيتك:

  1. اقرأ سياسة الخصوصية بعناية قبل استخدام أي تطبيق. تأكد مما إذا كانت البيانات تُخزن، ومع من قد تتم مشاركتها.

  2. تجنب إدخال معلومات شديدة الحساسية مثل الأسماء، العناوين، أو الاعترافات القانونية.

  3. اختر التطبيقات التي تتيح لك حذف محادثاتك نهائيًا، وليس فقط من الواجهة الظاهرة.

  4. استخدم تطبيقات مفتوحة المصدر أو موصى بها من جهات صحية مستقلة إن أمكن.

  5. تابع التحديثات الأمنية للتطبيق، وكن على دراية بأي تغييرات في سياسات الخصوصية.

خلاصة: دعم نفسي أم خطر رقمي؟

لا شك أن العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي يمثل ابتكارًا مذهلًا في عالم الرعاية النفسية، ويفتح الباب أمام دعم ملايين المستخدمين الذين لا يمكنهم الوصول إلى العلاج التقليدي. لكنه في الوقت ذاته، يحمل في طياته مخاطر عميقة تتعلق بالخصوصية، وخصوصًا في البيئات السياسية التي تستخدم التكنولوجيا كسلاح للمراقبة والسيطرة.

ومع ازدياد اعتمادنا على هذه الأدوات، يصبح من الضروري أن نكون أكثر وعيًا، لا فقط بإمكانياتها، بل بما قد تخفيه من تهديدات على المدى البعيد. إلى حين صدور تشريعات تضمن سلامة استخدام العلاج النفسي بالذكاء الاصطناعي، تبقى المسؤولية الفردية هي خط الدفاع الأول.

المصادر:

Views: 1

اخر المستجدات

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي والأمن القومي تعزيز القدرات وحماية المستقبل

الذكاء الاصطناعي والأمن القومي تعزيز القدرات وحماية المستقبل أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) محورًا أساسيًا في تعزيز الأمن القومي بفضل قدراته الفائقة على المعالجة السريعة للبيانات...

الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي: تحالف رقمي لمستقبل آمن

الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي تحالف المستقبل الرقمي في عالم يتزايد اعتماده على التكنولوجيا والأنظمة الرقمية، أصبحت البيانات والمعلومات الأصول الأكثر قيمة للشركات والأفراد على حد...

كيف تحمي الجدران النارية بياناتك من الهجمات الإلكترونية؟ شرح مبسّط لوظائف Firewall

ما هي وظيفة الجدران النارية (Firewalls)؟ الجدار الناري (Firewall) هو أحد أهم الركائز في مجال الأمن السيبراني، حيث يُستخدم لتوفير الحماية للشبكات والأجهزة من الهجمات...