في خطوة غير مسبوقة، أعلنت شركة أبل عن نيتها إتاحة خيار استبدال مساعدها الشخصي Siri في هواتف iPhone لمستخدمي الاتحاد الأوروبي، وذلك امتثالًا لقوانين الأسواق الرقمية الأوروبية. هذا القرار المفاجئ يعني أن المستخدمين سيتمكنون من استخدام ChatGPT كمساعد شخصي على أجهزتهم، بدلًا من الاكتفاء بـ Siri، الذي ظل الخيار الوحيد منذ أكثر من عقد.
هذه الخطوة تأتي استجابة لقوانين صارمة فرضها الاتحاد الأوروبي على الشركات التقنية الكبرى بهدف كسر الاحتكار ومنح المستخدمين حرية أكبر في تخصيص أجهزتهم. ويبدو أن أبل لم تعد قادرة على تجاهل هذه الضغوط، خاصة بعد التغييرات الجذرية التي أجرتها في iOS 17.4، والتي شملت السماح بتغيير المتصفح الافتراضي وتثبيت متاجر خارجية.
لماذا الآن؟ ولماذا الاتحاد الأوروبي فقط؟
السبب المباشر وراء هذا التغيير هو قانون الأسواق الرقمية (DMA) الذي أقره الاتحاد الأوروبي، ويُلزم الشركات مثل أبل بفتح أنظمتها أمام المنافسة. وقد اختارت أبل البدء بهذا التغيير في أوروبا فقط، لأنها ملزمة قانونًا بذلك هناك، ولكن هذا لا يمنع توسع الفكرة لاحقًا إلى مناطق أخرى إذا وجدت الشركة فائدة تجارية في ذلك.
ولأول مرة، سيتمكن المستخدم من استخدام ChatGPT كمساعد شخصي بدل Siri، أو حتى اختيار Google Gemini، مع احتمال توسّع الخيارات مستقبلًا لتشمل مساعدات ذكية أخرى. هذا التغيير يعني أن صوت الذكاء الاصطناعي في أجهزة أبل لم يعد حصريًا لـ Siri، بل أصبح مرنًا وفقًا لاختيار المستخدم.
ما الذي يمكن أن يتغير بعد هذا القرار؟
السماح بتثبيت مساعد ذكي بديل سيؤثر على عدة نواحٍ تقنية وتجريبية، من بينها:
تجربة الاستخدام: لم تعد التجربة محصورة بمحدودية Siri. يمكن الآن الاستفادة من قدرات مثل استخدام ChatGPT كمساعد شخصي لمعالجة أسئلة معقدة، تلخيص محتوى، كتابة رسائل بريد احترافية، أو تقديم توصيات ذكية.
التكامل مع التطبيقات: وفقًا للتقارير، ستتيح أبل للمساعدين الآخرين وصولًا مشابهًا لما تتيحه لـ Siri، مثل التحكم في الإعدادات، إدارة المهام، إرسال الرسائل، وتشغيل الوسائط.
خيارات الخصوصية: مع إدخال أطراف خارجية مثل OpenAI وGoogle، ستضطر أبل إلى تعزيز أدوات الخصوصية لضمان التحكم الكامل للمستخدم في كيفية مشاركة البيانات مع المساعدات البديلة.
ومن الملفت أن الشركة تختبر أيضًا مساعدًا داخليًا خاصًا بها يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، ليكون منافسًا حقيقيًا لـ ChatGPT. ولكن حتى إطلاق هذا المساعد الجديد، يبدو أن خيار استخدام ChatGPT كمساعد شخصي سيكون الأبرز لمستخدمي iPhone في أوروبا.
هل التغيير يشمل جميع المستخدمين؟
حاليًا، التغيير سيُطبّق فقط في الدول الخاضعة لقوانين الاتحاد الأوروبي. أما في الولايات المتحدة وباقي أنحاء العالم، فلم تُعلن أبل أي نية لتطبيق هذه السياسة. ومع ذلك، من المحتمل أن يتوسع هذا القرار لاحقًا، خاصة إذا وجدت أبل أنه لا يؤثر سلبًا على نظامها أو علامتها التجارية.
وفي انتظار التحديث الرسمي لنظام iOS 19، بدأت التكهنات تظهر حول مدى التكامل الذي ستحققه أبل مع المساعدات الخارجية، خاصة وأن بعض المميزات الذكية تتطلب وصولًا عميقًا للنظام، مثل فتح التطبيقات، الرد على المكالمات، والتحكم بالأوامر الصوتية المعقدة.
متى سيتم تفعيل هذا التغيير رسميًا؟
بحسب ما تم تداوله في عدة تقارير تقنية موثوقة، من المتوقع أن يتم تفعيل خيار استخدام ChatGPT كمساعد شخصي ضمن تحديث iOS 19، المقرر الكشف عنه خلال مؤتمر WWDC 2025 في شهر 6. لكن وعلى غرار بعض الميزات السابقة التي تأخرت في الوصول للاتحاد الأوروبي، قد لا تظهر هذه الميزة مباشرة عند إطلاق النظام، بل يتم تفعيلها لاحقًا عبر تحديث فرعي مثل iOS 19.1 أو iOS 19.2.
أبل معروفة بحذرها الشديد فيما يتعلق بفتح النظام أمام أطراف خارجية، ولهذا فإن دعمها لاستخدام مساعدين بديلين مثل Gemini أو ChatGPT سيأتي على مراحل، وسيكون مصحوبًا بضوابط أمان وخصوصية صارمة. وبما أن قرار استخدام ChatGPT كمساعد شخصي لا يرتبط فقط بالإتاحة التقنية، بل بالامتثال للقوانين الأوروبية، فربما يشهد عدة تحديثات تنظيمية حتى يصل إلى الشكل النهائي.
ما الفرق بين Siri وChatGPT وGemini؟
لفهم أهمية خيار استخدام ChatGPT كمساعد شخصي، يجب أولاً مقارنة القدرات الحالية للمساعدين الثلاثة:
Siri: يعتمد على قواعد برمجية محددة مسبقًا، وقدراته لا تزال محدودة عند التعامل مع أسئلة معقدة أو مهام متعددة السياقات.
Gemini: من تطوير Google، يتميز بالدمج العميق مع محرك بحث Google وبيانات المستخدم على خدمات الشركة، ما يمنحه تفوقًا في الاستجابة للمعلومات الحيّة.
ChatGPT: بفضل قدرته على الفهم التوليدي العميق، أصبح خيارًا مفضلاً لكثير من المستخدمين حول العالم. ومع خيار استخدام ChatGPT كمساعد شخصي، سيكون بإمكان المستخدم طلب كتابة نصوص إبداعية، تعديل محتوى البريد، اقتراح مهام يومية، وأكثر.
أبل تعلم أن Siri متأخر في سباق الذكاء الاصطناعي، ولهذا بدأت تعتمد تدريجيًا على دمج نماذج OpenAI في بعض ميزات النظام، على أمل أن يحافظ Siri على مكانته عند توفر البدائل.
تحديات محتملة تواجه أبل
رغم أن قرار استخدام ChatGPT كمساعد شخصي قد يبدو إيجابيًا، إلا أنه يطرح عدة تحديات أمام أبل:
الخصوصية: كيف ستضمن أبل أن البيانات الصوتية التي تُرسل لمساعد خارجي لن تُخزن أو تُستخدم تجاريًا؟
تكامل النظام: هل سيتمكن ChatGPT من تنفيذ أوامر مثل “افتح الكاميرا” أو “غيّر الإعدادات”؟ هذا يتطلب إذنًا من النظام العميق (Deep OS Integration).
المنافسة الداخلية: ماذا سيحدث لـ Siri إذا اختار 80% من المستخدمين استخدام ChatGPT كمساعد شخصي؟ هل ستُهمل أبل تطوير Siri؟
هذه الأسئلة لا تزال مفتوحة، وتحتاج الشركة إلى استراتيجية واضحة لحماية هويتها، خصوصًا وأن Siri جزء أساسي من تجربة iOS.
التحليل النهائي – هل هذه خطوة نحو المستقبل أم تهديد لنظام أبل؟
يمكن اعتبار خيار استخدام ChatGPT كمساعد شخصي بمثابة لحظة تحول في فلسفة أبل المغلقة. فهي وإن كانت مضطرة لهذا القرار في أوروبا، إلا أن تطبيقه قد يثبت فاعليته بشكل يغير طريقة تعامل المستخدمين مع أجهزتهم.
فإذا لاحظ المستخدمون أن ChatGPT يوفر إجابات أذكى وتفاعلاً أعمق من Siri، فقد يصبح هذا الخيار المفضل لهم، ليس فقط في أوروبا، بل عالميًا إن أتيحت الفرصة.
في النهاية، يبقى السؤال: هل سيصبح Siri هو Internet Explorer القرن الجديد؟ أم ستستطيع أبل إنقاذه وتطويره ليواكب منافسيه؟
Views: 2