في وقتٍ تبحث فيه أوروبا عن ريادة جديدة في سباق الابتكار الرقمي، يتصدر جيتكس أوروبا 2025 المشهد كمحطة محورية تجمع بين الشرق والغرب، وتفتح المجال أمام العرب المقيمين في القارة العجوز ليكونوا جزءًا من التحول التكنولوجي العالمي. فهل يُمكن لهذا المؤتمر أن يُغيّر قواعد اللعبة بالفعل؟
معرض يجمع القارات والأفكار
انطلق جيتكس أوروبا 2025 في العاصمة الألمانية برلين بين 21 و23 مايو، بمشاركة أكثر من 1,400 شركة تقنية من 67 دولة. وقد اجتمع في أروقته 25,000 زائر من المهتمين بالتقنيات الناشئة، إلى جانب أكثر من 500 متحدث دولي، في حدث يوصف بأنه “الأضخم في تاريخ القارة الأوروبية على مستوى التكنولوجيا”.
الجديد هذه المرة ليس فقط في الحجم، بل في التنوع: الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، الأمن السيبراني، المدن الذكية، والروبوتات، كلها كانت حاضرة. لكن الملفت حقًا هو الحضور العربي المنظّم والموجّه، والذي بدأ يأخذ شكلاً استراتيجيًا بعد سنوات من المشاركة المتفرقة.
حضور عربي استراتيجي
لأول مرة، تسجل الإمارات مشاركة مؤسساتية موسّعة في نسخة أوروبية من جيتكس، بقيادة وزارة الاقتصاد، بالإضافة إلى عرض مشاريع حكومية ذكية ومبادرات خضراء. الإمارات لم تأتِ فقط لعرض التكنولوجيا، بل لبناء شراكات أوروبية طويلة الأمد.
أيضًا، جاءت مصر بعدد من الشركات الناشئة العاملة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية، بحثًا عن فرص تمويل وتوسّع في السوق الأوروبي. في حين عرضت تونس والمغرب نماذج حلول ذكية في التعليم الرقمي والتمويل المصغر، لاقت استحسانًا واضحًا من الجمهور الأوروبي.
هذا الزخم يعزز فكرة أن جيتكس أوروبا 2025 لم يكن مجرد معرض، بل نقطة انطلاق فعلية للتكامل العربي الأوروبي في مجال الابتكار.
جلسات نقاشية بحضور أسماء ثقيلة
المؤتمر استضاف شخصيات بارزة مثل د. جيفري هينتون، أحد رواد الذكاء الاصطناعي، والذي تحدث عن مستقبل الأتمتة في أوروبا. كما حضرت كلارا شاباز، وزيرة الذكاء الاصطناعي في فرنسا، وألقت كلمة عن ضرورة تنظيم استخدام الخوارزميات على مستوى الاتحاد الأوروبي.
ولعل أبرز المداخلات كانت من عمدة برلين، الذي دعا بشكل مباشر العرب والشركات الناشئة في الشرق الأوسط للاستثمار في مشهد التكنولوجيا الأوروبي.
بوابة جديدة للعرب في أوروبا
من الواضح أن جيتكس أوروبا 2025 شكّل أكثر من مجرد معرض تقني، فقد أظهر أن أوروبا باتت تتجه بجدية نحو استقطاب العقول والشركات من منطقة الشرق الأوسط. هذا التوجه يفتح الباب أمام الكفاءات العربية، خاصة المقيمة في أوروبا، للاندماج بشكل أوسع في مشهد التحول الرقمي.
برلين، باعتبارها عاصمة رقمية صاعدة، قد تصبح المركز المثالي لرواد الأعمال العرب في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا المالية، وتطبيقات الأمن السيبراني. فمع توفر بيئة تشريعية داعمة واهتمام حكومي متصاعد، لم تعد أوروبا “سوقًا للمستهلك فقط”، بل أصبحت مساحة حقيقية لتأسيس شركات ناشئة ذات طابع عالمي.
تأثير مباشر على توجهات السوق
أحد أبرز مخرجات جيتكس أوروبا 2025 كان الكشف عن توجه السوق الأوروبي إلى الانفتاح على حلول أكثر مرونة، وسرعة في التنفيذ، وهي نقطة غالبًا ما تتفوق فيها الشركات الناشئة العربية بحكم خبرتها في بيئات متقلبة.
عدد من الشركات الأوروبية عقدت شراكات فعلية مع فرق تقنية عربية خلال المعرض، خصوصًا في مجال البنية السحابية وتطبيقات الأمن الرقمي. وهذا يعكس تغيّر النظرة النمطية إلى الابتكار العربي من كونه مجرد “خدمة داعمة” إلى “قوة مشاركة”.
التكنولوجيا الناشئة ودورها في تمكين العرب
تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، الحوسبة الكمية، وسلاسل الكتل، لم تعد مفاهيم نظرية. وقد ناقشها جيتكس أوروبا 2025 بعمق عبر جلسات تدريبية وورش عمل.
هذه المجالات توفّر فرصًا حقيقية للعرب في أوروبا، خاصة الشباب، لإعادة تشكيل مساراتهم المهنية أو إطلاق مشاريع تقنية، مستفيدين من برامج الدعم والمنح الأوروبية المخصصة للمهاجرين وأبناء الجاليات.
هل تكون نسخة 2026 نقطة تحول؟
من المتوقع أن تُنظم نسخة جيتكس أوروبا 2026 أيضًا في برلين، وسط توقعات بمشاركة أوسع من دول عربية جديدة مثل السعودية وقطر والجزائر. هذا يعني أن المؤتمر يتحول تدريجيًا إلى منصة استراتيجية لإعادة رسم المشهد الرقمي العربي في الخارج.
بالنظر إلى المعطيات الحالية، يمكن القول إن جيتكس أوروبا 2025 لم يكن فقط حدثًا تقنيًا، بل بداية لرؤية عربية جديدة تتقاطع مع طموحات أوروبا الرقمية.
Views: 1